يمثل تقديم المحررات إحدى أهم وسائل الإثبات في الدعاوى المدنية والتجارية في قطر، ولا سيما عندما تكون المستندات تحت يد الخصم أو جهة ثالثة يتعذر على الطالب الوصول إليها. ويستند هذا التنظيم إلى المواد 228-233 من قانون المرافعات، ويتفاعل مع منظومة من القواعد الخاصة المرتبطة بالسرّية والبيانات، في ضوء ما رسّخته محكمة التمييز، لا سيما في حكمها الصادر في الطعن رقم 545 لسنة 2020.

تنص المادة 228 على حق الخصم في إلزام خصمه بتقديم أي ورقة منتجة في الدعوى، متى توافر أحد ثلاثة شروط:

  1. أن يسمح القانون بالمطالبة بها،
  2. أو أن تكون ورقة مشتركة بين الطرفين،
  3. أو أن يكون الخصم قد استند إليها خلال مراحل الخصومة.

ويُشترط لقبول هذا الطلب تحديد أوصاف الورقة وملامح فحواها بقدر المستطاع، وبيان الواقعة المستشهد بها، والقرائن الدالة على وجود المستند تحت يد الخصم، والأساس القانوني الذي يوجب تقديمه؛ وإلا كان الطلب غير مقبول شكلاً.

وتعالج المادة 229 موقف المحكمة من إنكار الخصم أو سكوته؛ فإذا أثبت الطالب طلبه، وأقر الخصم أو سكت، تأمر المحكمة بالتقديم فوراً. أما إذا أنكر الخصم وجود المستند ولم يقدم الطالب دليلاً كافياً، فيُكلف المنكر بحلف اليمين بأن الورقة لا وجود لها أو أنه لا يعلم وجودها ولا مكانها وأنه لم يخفها أو لم يهمل البحث عنها ليحرم خصمه من الاستشهاد بها.

وفي المقابل، تُرتّب المادة 230 أثراً مباشراً على الامتناع أو النكول، إذ تعتبر صورة المستند المقدمة من الطالب مطابقة للأصل، أو تُؤخذ أقواله بشأن شكل المستند ومضمونه بالقدر الذي تطمئن إليه المحكمة. وهذه الآثار لا تحسم النزاع بذاتها، لكنها تمنح الطالب أداة ترجيحية ذات وزن ضمن باقي أدلة الدعوى.

وتضع المادة 233 إطاراً عاماً يلزم كل من يحوز ما يتصل بالحق المتنازع عليه بأن يعرضه متى كان فحصه ضرورياً للفصل في الدعوى. وفي المقابل، تجيز للمحكمة رفض الطلب إذا ثبت للحائز «مصلحة مشروعة» تبرر الامتناع. وهذه المصلحة ليست محددة أو محصورة، ويُقدّرها القاضي وفق طبيعة المستند، ومدى اتصال الجزء المطلوب حجبه بموضوع الحق، وحقيقة الضرر المحتمل من الكشف. وقد يسترشد القاضي، في هذا السياق، بالقواعد المقررة في بعض التشريعات الخاصة المرتبطة بحماية البيانات أو الأسرار التجارية أو السرّية المهنية أو المصرفية، دون أن يُعد ذلك استثناءً مباشراً على المادة 228 أو قيداً حصرياً لها. وبهذا المفهوم، يصبح تقديم النسخ المنقوصة أو المحجوبة جائزاً في نطاق ضيق، متى لم يمسّ الحجب جوهر الدليل أو الجزء المنتج في النزاع.

وأرست محكمة التمييز في الطعن رقم 545 لسنة 2020 مجموعة من المبادئ التطبيقية المهمة، إذ نقضت حكماً تجاهل طلباً صريحاً بتوجيه إلزام للخصم بتقديم مستندات يدّعي الطالب أنها تحت يده. وقررت المحكمة أن طلب الإلزام يُعد وسيلة إثبات يتعيّن على محكمة الموضوع بحثها والرد عليها، وأن اليمين الواردة في المادة 229 والجزاء الإجرائي في المادة 230 جزء من منظومة الأدلة وليسا حاسمين بذاتهما، وأن تحميل الطالب عبء تقديم مستند يزعم وجوده لدى خصمه يُعدّ قصوراً في التسبيب.

كما أقر أن أداء اليمين أو الامتناع عن تقديم المستند لا يحسمان النزاع وحدهما، بل هما جزء من منظومة الأدلة، وتبقى للمحكمة سلطة تقدير مجمل الأدلة للوصول إلى ما تطمئن إليه من قناعة.

وقد بيّن الحكم كذلك أنه متى أمكن الفصل في الدعوى بأدلة أخرى كافية، جاز للمحكمة الاكتفاء بآثار المادة 230 على مستوى الترجيح دون أن تجعل الامتناع سبباً مستقلاً للحكم. أما إذا كان المستند جوهرياً ولا بديل عنه، وظلّ الخصم على نكوله بعد استنفاد وسائل الإلزام، فإن للمحكمة أن ترجّح رواية الطالب في الحدود التي يجيزها القانون.

ومن الناحية العملية، قد يثور أمام المحكمة فرضٌ يتقدّم فيه أحد الخصوم بطلب مستوفٍ لشروط المادة 228، فتقتنع المحكمة بإنتاجية المستند وتصدر أمراً صريحاً بتقديمه، ثم يمتنع الخصم المأمور بالتقديم عن التنفيذ، متذرّعاً بعدم الارتباط أو بادّعاء السرّية.

في هذه الحالة صدورُ أمر المحكمة بالتقديم يعني أنّ القاضي قد خلص مسبقاً إلى كون المستند منتجاً في النزاع. ومن ثمّ، فإن تمسّك الخصم — بعد صدور الأمر — بدفع عدم الارتباط لا يكون ذا جدوى إلا إذا بُني على معطيات جديدة. أما التمسّك بالسرّية فيُقوَّم في ضوء المادة 233، من حيث مدى اتصال الجزء المطلوب حجبه بالحق محل النزاع، وحقيقة المصلحة أو الضرر المدّعى بهما. فإذا ثبتت «مصلحة مشروعة»، جاز للمحكمة تعديل الأمر أو قبول حل وسط (مثل نسخة محجوبة).

وقد تكتفي المحكمة بالآثار الترجيحية المقررة في المادة 230 إذا كانت الأدلة الأخرى كافية للفصل في الدعوى، لكنها قد تُرجّح رواية الطالب متى كان المستند جوهرياً لا بديل عنه واستمر الخصم في النكول.

خاتمة

يُظهر استقراء المواد 228-233 أن الأصل في النظام الإجرائي هو تقديم المستند كاملاً كلما كان منتجاً في النزاع، وأن الامتناع عن تقديمه لا يُعتدّ به إلا في الحدود والآثار التي رسمتها المادة 230. ويبقى الاستثناء الوحيد الذي يتيح تقديم نسخ منقوصة أو محجوبة هو ما نصّت عليه المادة 233 من إمكان ثبوت «مصلحة مشروعة» للحائز تبرر عدم الكشف الكامل، على ألا يمسّ الحجب جوهر الدليل أو الجزء المنتج في الدعوى.

ويؤدي ذلك إلى أن نطاق الحجب يظل استثناءً ضيقاً بطبيعته، وأن تقديره لا ينفصل عن طبيعة المستند وما قد يترتب على الكشف من ضرر حقيقي، مع ضرورة موازنة ذلك بحق الخصم في الإثبات وبالهدف التشريعي للمادتين 228 و233. فالتقدير هنا لا يقوم على ادّعاء السرّية في ذاته، بل على فحص موضوعي لمدى اتصال الجزء المطلوب حجبه بصلب الحق المتنازع عليه.

وبذلك، تغدو إمكانية تقديم النسخ المحجوبة مشروطة بإثبات مصلحة فعلية تستمدّ من طبيعة المستند أو خصوصيته، وتبقى خاضعة لسلطة القاضي التقديرية في ضوء القواعد الخاصة ذات الصلة بالسرّية، وبما لا يخلّ بحق الدفاع أو بوظيفة المحكمة في الوصول إلى الحقيقة.

تعرف على

المساهمون في كتابة المقال

No items found.