لا شك أن الطلاق يحدث تغييرًا مفصليًا في حياة المرأة، ولذلك حرص المشرع عند إصدار قانون الأسرة القطري رقم (22) لسنة 2006 ("قانون الأسرة") على ضمان ألا يكون الانفصال بداية لفقدان المرأة حقوقها أو المساس باستقرارها، بل وضع قانون الأسرة إطارًا واضحًا يوفر الحماية للمرأة بعد الطلاق.

فأول ما كفله المشرّع هو حق المطلقة في النفقة أثناء فترة العدة، حيث يختص القاضي بتقدير نفقة المطلقة خلال عدتها، بناءً على طلب ذوي الشأن، عند وقوع الطلاق، إضافة إلى نفقة الأطفال وتنظيم مسائل الحضانة وزيارة المحضونين، وذلك عملاً بالمادة (114) من قانون الأسرة التي جعلت هذه القرارات مشمولة بالنفاذ المعجل منعًا لأي فراغ مالي قد يهدد استقرار الأسرة.

ولا يقتصر القانون عند حد النفقة، بل يمنح المطلقة أيضًا حق المتعة إذا وقع الطلاق من الزوج دون أن يكون للزوجة يد فيه، وذلك وفقًا للمادة (115) من قانون الأسرة، التي اعتبرت المتعة تعويضًا عادلًا عن الضرر المعنوي الذي قد يلحق بالزوجة جراء الانفصال، وتُقدَّر المتعة من قبل القاضي بما لا يتجاوز نفقة ثلاث سنوات، مع مراعاة حال الزوج ويسره، وهو ما يعكس حرص المشرّع على جبر ضرر المرأة وتخفيف الآثار المترتبة على الطلاق.

وفي إطار ضمان الاستقرار السكني، أوجب قانون الأسرة على المطلقة أن تقضي عدتها في مسكن الزوجية، بوصفه المكان الطبيعي والأكثر استقرارًا لها في هذه المرحلة، وذلك وفقًا للمادة (159) من قانون الأسرة التي تهدف إلى حماية المطلقة من الانتقال المفاجئ وصون خصوصيتها أثناء العدة.

وبعد انتهاء فترة العدة، تنتقل حماية السكن إلى ما تقرره قواعد الحضانة؛ إذ تؤكد المادة (166/1) أن الأم هي الأَوْلى بحضانة أطفالها عند وقوع الانفصال، حتى وإن لم يكن طلاقًا رسميًا، ما لم يستوجب تحقيق مصلحة الطفل خلاف ذلك، وهو ما يعكس بوضوح أن مصلحة الطفل تُقدَم على أي اعتبار آخر عند الفصل في الحضانة. وبمقتضى المادة (181) من قانون الأسرة، إذا لم يتوفر للأم الحاضنة أو للمحضون سكن مستقل، وجب على وليّ الطفل توفير مسكن مناسب، أو دفع بدل إيجار، بل ويمتد الالتزام إلى تقسيم السكن الممنوح من الدولة قسمة انتفاع عادلة عند الحاجة، ضمانًا لاستقرار الأطفال.

وتعد الحضانة من أهم الحقوق التي نظّمها قانون الأسرة بعد الطلاق، إذ عرّفها في المادة (165) بأنها حفظ الطفل وتربيته وتقويمه ورعايته بما يحقق مصلحته، هذا التعريف يجعل مصلحة الطفل هي المحور الأساس التي تبنى عليه جميع القرارات المتعلقة بالحضانة. وبناء على هذا المبدأ، تُمنح الأم الأولوية في الحضانة ما دامت صالحة لذلك، لما تتمتع به من قرب نفسي وعاطفي من أطفالها، الأمر الذي يضمن لهم بيئة مستقرة حتى بعد واقعة انفصال الزوجين.

نظراً لكون الحضانة مسؤولية يومية تتطلب جهدًا ورعاية مستمرة، فقد قرر قانون الأسرة وفقًا للمادة (178) استحقاق الأم الحاضنة أجر حضانة مستقلاً عن نفقة الأطفال، يبدأ من وقت انتهاء الزوجية وحتى بلوغ الطفل سن انتهاء حضانة النساء، ويقدّر هذا الأجر بما يراعي حالة الولي المالية وبما يتناسب مع جهد الأم في الرعاية.

وتأسيسًا على ذلك، تتمتع الأم بصفتها الحاضنة بحق المطالبة بجميع النفقات المتعلقة بالأطفال، باعتبارها القائمة على شؤونهم اليومية والمسؤولة عن رعايتهم. وقد أوجب قانون الأسرة على الأب الإنفاق على أبنائه القُصّر حتى في حال إسناد الحضانة إلى الأم، ولا يسقط هذا الالتزام بالطلاق. وتشمل النفقة الطعام والكسوة والعلاج والسكن والتعليم، وكل ما يلزم الطفل بحسب العرف. ويترتب على إسناد الحضانة إلى الأم استحقاقها لطلب نفقة صغارها من تاريخ قيد الدعوى، ضمانًا لاستمرار إعالتهم وعدم حرمانهم من احتياجاتهم الأساسية أثناء مرحلة التقاضي.

وفي إطار حقوق الزوجة المالية، فقد قررت المادة (39) من قانون الأسرة أن المهر المؤجّل يُعد دَينًا ثابتًا في ذمة الزوج، ويستحق أداؤه للزوجة فور حصول البينونة - أي عند وقوع الطلاق الذي تنفصل به الزوجة عن زوجها - ذلك باعتبار أن أجل استحقاقه يسقط عند وقوع الطلاق البائن، فيتحوّل إلى دين حالّ واجب السداد.

هذا التنظيم القانوني يعكس رؤية واضحة تجاه مرحلة ما بعد الطلاق، تقوم على مبدأ يوازن بين العدالة واستقرار الأسرة، ويحمي المرأة وأبناءها من أي آثار مالية أو اجتماعية قد تنشأ بعد الانفصال. فالطلاق لا يعني سقوط حقوق المرأة، بل انتقالها إلى إطار قانوني جديد يضمن استمرار حمايتها وصون مكانتها خلال هذه المرحلة.

تعرف على

المساهمون في كتابة المقال

No items found.