قانون التقطير رقم (12) لسنة 2024: إعادة تشكيل القوى العاملة في القطاع الخاص

يُعد قانون التقطير رقم (12) لسنة 2024 أحد الركائز الأساسية في أجندة دولة قطر التشريعية الحديثة، وقد دخل حيّز التنفيذ في أبريل 2025. ويهدف هذا القانون إلى دعم رؤية قطر الوطنية 2030 من خلال تعزيز أولوية توظيف المواطنين القطريين في القطاع الخاص. ومن أبرز ملامح هذا القانون:

  • الأولوية الإلزامية: يُلزم القانون أصحاب العمل بإعطاء الأولوية في التوظيف للمواطنين القطريين، ثم لأبناء القطريات. ولا يجوز اللجوء إلى توظيف غير القطريين إلا في حال عدم توفر مرشحين قطريين مؤهلين.
  • نطاق تطبيق واسع: يشمل القانون الشركات الخاصة (بما في ذلك الشركات المملوكة للدولة أو التي تساهم فيها)، إضافة إلى المؤسسات غير الربحية، والهيئات الرياضية. ويُستثنى من ذلك شركة قطر للطاقة والجهات العاملة في مجال العمليات البترولية.
  • أثر استراتيجي: يتعين على الشركات، خصوصًا العاملة في قطاعات مثل الإنشاءات وغيرها من القطاعات الكبرى، إعادة النظر  في سياسة التوظيف والتدريب والامتثال لضمان التوافق مع المتطلبات الجديدة.

فرض القانون على الشركات إجراء تعديلات استراتيجية في تخطيط القوى العاملة، وجداول التوظيف، والاستثمار في برامج التدريب، لا سيما في القطاعات التي تعتمد بشكل كبير على الخبرات الأجنبية،

مما يستلزم ضرورة الاعتماد على إطار قوي لتفادي أي اضطرابات تشغيلية أو أضرار محتملة على السمعة المؤسسية.

التعديلات الدستورية: بداية مرحلة جديدة من الحوكمة

في 5 نوفمبر 2024، أجرت دولة قطر استفتاءً عامًا تمت من خلاله الموافقة على مجموعة من التعديلات الدستورية الشاملة. تهدف هذه التعديلات، التي دخلت حيّز التنفيذ، إلى تعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ مبدأ المواطنة المتساوية. من أبرز ملامح التعديلات:

  • حل مجلس الشورى: أصبح للأمير صلاحية حل مجلس الشورى بموجب مرسوم، على أن تُمنح الصلاحيات التشريعية مؤقتًا للأمير ومجلس الوزراء إلى حين تشكيل مجلس جديد.
  • مجلس بالتعيين: يتم الانتقال من نظام انتخاب مجلس الشورى إلى نظام يعتمد على التعيين، بهدف تسريع العملية التشريعية وتبسيط آليات إصدار القوانين.
  • نصوص جديدة: تمت إضافة مواد دستورية توسّع من صلاحيات الأمير في المشورة، وتجيز لرئيس مجلس الوزراء تفويض بعض صلاحياته.
  • إلغاء أحكام انتخابية: تم إلغاء عدد من المواد المتعلقة بالانتخابات والإشراف القضائي عليها، مما يشكّل تحولًا كبيرًا في الإطار الدستوري لدولة قطر.

مع مرور الوقت، سيتضح ما إذا كان الانتقال من نظام انتخاب أعضاء مجلس الشورى إلى نظام التعيين سيساهم في تسريع عملية اتخاذ القرار، أو أنه سيؤدي إلى تقليص تمثيل الأطراف المتنوعة في صنع القرار التشريعي.

قانون التنفيذ القضائي رقم (4) لسنة 2024: تحديث آليات فضّ المنازعات

يمثل قانون التنفيذ القضائي رقم (4) لسنة 2024، الذي دخل حيز النفاذ في أكتوبر 2024، تغييرًا جذريًا في نظام التنفيذ القضائي في دولة قطر، وتتضمن أبرز ملامحه ما يلي:

  • محكمة تنفيذ متخصصة: تمّ إنشاء محكمة متخصصة للنظر في جميع قضايا التنفيذ، لتحل محل إدارة التنفيذ السابقة، مما يعزز التخصص والكفاءة في معالجة الطلبات.
  • التحوّل الرقمي: أصبحت طلبات التنفيذ والمزادات القضائية تُدار إلكترونيًا، مما يُسهم في تسريع الإجراءات وتعزيز مستوى الشفافية.
  • صلاحيات موسّعة: منح القانون قضاة التنفيذ صلاحيات أوسع، تشمل الحجز على الأموال، ومنع السفر، وتقييد الأنشطة التجارية، بما يُعزّز من كفاءة وفعالية إجراءات التنفيذ.
  • تنفيذ مباشر للشيكات وعقود الإيجار: أصبح بإمكان الدائنين تنفيذ الشيكات المرتجعة وعقود الإيجار الخاصة بالإخلاء بشكل مباشر، دون الحاجة إلى إجراءات قضائية مطوّلة، مما يعزز الثقة في المعاملات التجارية.

من المتوقّع أن يُسهم نظام التنفيذ الجديد في توضيح الخيارات المتاحة أمام المحاكم عند تنفيذ الأحكام، مع التركيز على تسريع تنفيذ العقود وأحكام التحكيم، مما يعزز من كفاءة العمليات التجارية ويزيد الثقة في النظام القضائي المحلي.

الإصلاح الضريبي: تطبيق الحد الأدنى العالمي للضريبة والامتثال لقواعد مكافحة تآكل الوعاء الضريبي وتحويل الأرباح

تماشيًا مع الإصلاحات الضريبية العالمية، أصدرت دولة قطر القانون رقم 22 لسنة 2024 بتعديل قانون ضريبة الدخل، وذلك لتطبيق القواعد النموذجية لمكافحة تآكل الوعاء الضريبي وتحويل الأرباح، والمعروفة بالركيزة الثانية، والصادرة عن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ومجموعة العشرين. ويطبق هذا القانون على السنوات المالية التي تبدأ في 1 يناير 2025، ويتضمن ما يلي:

  • ضريبة الحد الأدنى العالمية بنسبة 15%: تطبق على مجموعات الشركات متعددة الجنسيات التي يتجاوز إجمالي إيراداتها الموحدة 750 مليون يورو في سنتين من السنوات الأربع المالية الأخيرة.
  • الضريبة المحلية التكميلية: تضمن أن تسدد الشركات متعددة الجنسيات الخاضعة لأحكام القانون الحد الأدنى من معدل الضريبة الفعلية على الأرباح الزائدة.
  • عدة إدراج الدخل: تتيح للكيان الأم القطري تحصيل الضرائب عن أرباح الشركات التابعة في دول ذات معدلات ضريبية منخفضة.
  • الامتثال لتوجيهات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية: يتضمن القانون شروحات وتوجيهات إدارية صادرة عن المنظمة، مع فرض غرامات مالية في حال عدم الامتثال.

تعكس هذه الإصلاحات حرص دولة قطر على توافق نظامها الضريبي مع المعايير الضريبية العالمية، مع الحفاظ على تنافسيتها الاقتصادية. ويُعد التكيّف الاستباقي مع هذه التعديلات خطوة ضروريًا للتقليل من المخاطر التنظيمية والضريبية. ومن المتوقع صدور لوائح تنفيذية وتوجيهات إضافية خلال الأشهر الاثني عشر المقبلة، بهدف تفعيل تطبيق قاعدة مكافحة تآكل الوعاء الضريبي العالمي بطريقة عملية وفعالة.

استراتيجية وزارة العدل 2025–2030

أعلنت وزارة العدل مؤخرًا عن شعار استراتيجيتها الجديدة نحو منظومة عدلية متكاملة، والذي يمثل رؤية شاملة لتطوير القطاع القانوني في دولة قطر. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى تقديم خدمات قانونية تتّسم بالشفافية والكفاءة والابتكار، بما يدعم بشكل مباشر في تحقيق رؤية قطر الوطنية 2030 والاستراتيجية الوطنية للتنمية الثالثة.

بالنسبة  للشركات، تُشير هذه الإصلاحات إلى بيئة تنظيمية أكثر وضوحًا وسلاسة، مع تركيز كبير على تعزيز الشفافية القانونية، وتسريع تسوية النزاعات، وتسهيل الوصول إلى العدالة. وتشمل المبادرات مجالات متعددة، بدءًا من التحول الرقمي للخدمات القانونية، وصولًا إلى تطوير الكفاءات القانونية، وجميعها تهدف إلى تعزيز ثقة المستثمرين، وتسهيل دخول السوق، وتوفير إطار تشريعي داعم لممارسة الأعمال.

الخاتمة

شهدت دولة قطر خلال الاثني عشر شهرًا الماضية مجموعة من الإصلاحات القانونية الطموحة والواسعة النطاق. شملت مجالات متعددة مثل توطين الوظائف، وتحديث الدستور، وتعزيز كفاءة المنظومة القضائية، والامتثال للمعايير الضريبية الدولية. وتعكس هذه التغييرات سعي دولة قطر إلى التوافق مع أفضل الممارسات العالمية، مع الاستمرار في تنفيذ رؤيتها الوطنية، وينبغي على الشركات العاملة في قطر متابعة هذه المستجدات عن كثب لضمان الامتثال، والاستفادة من الفرص التي تتيحها البيئة القانونية المتجددة والمتطورة.

ومن المتوقّع خلال الاثني عشر شهرًا القادمة أن تعزز دولة قطر إصلاحاتها الأخيرة، من خلال إصدار لوائح تنفيذية جديدة وتشريعات متخصصة لكل قطاع. وفي هذا الإطار، نلتزم في مكتب الأنصاري للمحاماة بإبقاء عملائنا على اطلاع دائم بأحدث التعديلات القانونية، لضمان الامتثال في الوقت المناسب، والاستفادة القصوى من الفرص القانونية الناشئة ضمن بيئة قانونية متطورة.

تعرف على

المساهمون في كتابة المقال

No items found.